الأربعاء، 30 يوليو 2008

الشباب في مصر

الشباب في مصر


بدأت أعي الحياة وأنا أسمع تصريحات المسئولين عن الشباب بأنهم عماد الوطن، وطاقة المستقبل، والأجيال التى ستحكم في المستقبل، الكثير من العبارات الرائعة التي كانت تسعدني فيما سبق، والكثير الذي لا يعني شيئا للمسئولين شيئا أيضا، فقد تعودوا ان يطلقوها او يستعيدوا من الذاكرة بعض الشعارات الجاهزة كلما لزم الأمر. وفيما بعد عرفت انه لا المسئولين يعنون ما يقولون، ولا نحن أصبحنا نهتم بها.

فالوظائف كلها في بلادي للعواجيز، والفلوس لهم أيضا، والعمارات الفخمة والسيارات الجميلة الأنيقة من حقهم وحدهم، والشباب يجب أن يتحملوا حتى سن الخمسين لاكتساب الخبرة وشغل إحدى الوظائف حتى وان كانت تلك الوظائف هي خاصة بالنظافة وحمل الحقائب وتنظيف المراحيض. وان لم تكن ابن مسئول كبير فلا مكان ولا احترام لك في المجتمع، ولا وظيفة ايضا. فأحلامك يا ولد كوابيس نشطبها لك بجرة قلم، ولا تفسير للكوابيس عندنا، ومن يحلم عليه ان يدفع ثمن الحلم.

ومع تقدم السن، وازدياد الخبرات العملية عند سفري للخارج، لم أجد أحدا في الدول التي زرتها أو عشت فيها يقول تلك العبارات، كان عجيبا بالنسبة لي في البداية ان لا اجد تلك التصريحات، وظننت أن الشباب في تلك البلاد مطحون، وربما طالع عين ابوه ايضا!! لكنني لما سألت عرفت أن المسئولين في تلك البلاد يحاسبون على ما يفعلون ولا وقت لديهم اذن لأن يقولوا، فهم يفعلون ويطبقون السياسات الخاصة بالشباب دون أن يتحدثوا عنها كثيرا، توصلت للفرق تقريبا بينهم وبيننا، فالمسئولين في بلادنا يقولون ولا يفعلون، اما في بلادهم فانهم يفعلون دون أن يوجعوا أدمغة الناس بالكلام.

الشباب في بلادنا وضعهم الآن أصبح أكثر سوءا من تلك الأيام التي كنت موجودا فيها في مصر، مر ما يقرب من ربع قرن، فانا الآن أبحث حتى عن أقوال المسئولين عن الشباب فلا أجدها، ظننت في بداية الأمر أن الأمر قد يكون تعدى القول للفعل، لكنها كانت صدمة اخرى عندما ادخل لأوساط الشباب فأجدهم يتكلمون فلا يسمعهم أحد، يصرخون فلا ينتبه أحد، الغريب انهم يشكلون أغلبية في بلادنا، فلماذا يتم تجاهلهم والضغط عليهم، وتنكيد عيشتهم أيضا؟ لا أدري عن الإجابة شيئا، فقد يكون هذا من سياسات حكومتنا الرشيدة المتخبطة والتي تخطط لأن نصبح بأن نكون أفقر دولة في العالم في القريب العاجل أو أقرب من ذلك.

قضايا الشباب في مصر مرة المذاق، مؤلمة المشاعر، كثيرة الهم والغم، فهم في واد والمسئولين في واد آخر، هؤلاء يشربون المر، والمسئولين يشربون المعسل، والفرق بين المر والمعسل كبير، فقليل من المر ينغص الحياة، والقليل من المعسل يذيب المسئولين سعادة تخرجهم عن عالم مشاعر الشباب التي تؤلمهم وعن عيشتهم النكدة التي يحيون فيها، فالشاب يكافح ليتعلم، وبعد التخرج، هذا ان تخرج من التعليم ولم يتخرج من الدنيا كلها، يكتشف انه تخصص في دراسة كان من الأفضل الا يدرسها، والا يعاني من اجلها، لأنه لا وظيفة له، ولا حياة كريمة، ثم تتوالى الصدمات يجر بعضها بعضها، فيصعق ويشيب وهو مازال شابا، والفرق بين الشيب والشباب في الحروف قليل، بينهما الكثير من التشابه، قد يكون بسبب ما تجهزه لهم الدولة من صدمات تقلل الفرق بين الحروف، لكنه فرق كبير في الحياة، مشوار من الألم والتعب والعذاب أشفق على قلوب الشباب الضعيفة منه، فقلوبهم المليئة بالأمل تتحول إلى الألم، ومرة أخرى فان الفرق بين الأمل والألم قليل أيضا!!

فلا وظيفة بعد التخرج، ولا زواج، ولا حياة كريمة في ظل ما يعانيه الشاب من معاملة تسئ إلى مشاعره وتقلل من شخصيته في كل مكان وتشعره بأنه مازال صغيرا، وهو ما يؤدي بالفعل إلى دمار واسع المدى في هدر إمكانيات هائلة يتمتع بها هؤلاء الشباب.

أما في الخارج، فهم طاقات المجتمع، الشباب في العشرينات من العمر يعملون في كل الوظائف بالشركات والهيئات الحكومية والخاصة والجامعات وهيئات البحث، وجدتهم يحملون المسئولية في كل المواقع، ويكسبون كثيرا من المال والخبرات، يثرون بلادهم وهى تغنى بهم أيضا، لهم حرية كبيرة في العمل والإبداع والانطلاق والتغيير للأفضل، ويحملون معهم الكثير من التغييرات التي تغير وجه العالم وتجدد طاقاته، كنت معجبا بالفعل بما أرى في الخارج، وتمنيت أن يكون في بلادي مثل هذا الاهتمام بالشباب فيأخذون بيدها ليغيرون وجهها الكئيب الذي تعيشه.

أرجو من السادة المسئولين المهتمين بالبقاء في كراسيهم ان يرحموا تلك القلوب الضعيفة والزهور المتفتحة والطاقات الجبارة فيفتحوا لهم بابا من الأمل، قبل أن يأتي وقت يكون هؤلاء الشباب فيه هم وقود التغيير، لكنه سيأتي على كراسيهم تلك المرة فان ما يعانيه الشباب بات أصعب من أن تحتمله الجبال. وما يحملونه من طاقات قادرة على إحداث التغيير، وهو سيكون تغييرا كبيرا هذه المرة، أرى ان الظروف في مصر باتت مهيأة له، فالتاريخ يتحرك حتى وان توقف إلى حين.






ليست هناك تعليقات: