الأربعاء، 30 يوليو 2008

الخــونـــة 1


الخــونـــة 1

كثيرا ما نسمع كلمة "أن التاريخ لن يرحمهم"، وتظل تلك اللعنة وعدم الرحمة مطوية في كتب التاريخ للأكاديميين، لا يطلع عليها أحد ولا يعرفها عامة الناس، وفي العصور التي تنهار فيها الدول كما هو الآن ينهار العلم وخاصة الأوجه النافعة للأمة منه، وكما نرى الآن فقد تم تغييب التاريخ كأحد أهم مقومات نهضة الأمة، لكي لا تنشط الذاكرة وتعرف الأمة ماضيها الرائع فيستثيرها الحماسة لإعادة الأمجاد.

في تلك الفترات التي تنهار فيها الأمم تكثر الخيانات، نحن نعرف بعضها، الكثير يظل في طى الكتمان، لكن الوقت يكشف بعضه ويموت البعض فلا يعرفه أحد، فماذا عن الخونة في الماضي؟ هل أثرت خياناتهم في الأمة، وماذا عن مصيرهم ونتائج خياناتهم؟

من يكتبون عن الماضي و التاريخ يمجدون الأبطال، لا أحد يكتب عن الخونة، نادرا ما حدث هذا ، وأرى أن الدروس التي نأخذها من الخونة لا تقل في أهميتها عن تلك التي نستخلصها من سير الأبطال، وأحيانا تزيد. هنا نستدعي التاريخ بلعناته التي صبها على الخونة في الماضي، ليعرف الذين يبيعون أوطانهم العظيمة ودينهم إلى أي مصير هم ذاهبون، نحن نتحدث عن الدنيا، أما المصير في الآخرة فشئ أخر، عذاب رهيب لا نهاية له إلا أن يشاء الله، فلو اطلع أهل الدنيا على قميص واحد من أهل النار لماتوا جميعهم فزعا ورعبا، ماذا لو زاد ايمان هؤلاء وتيقنوا بالمصير في الأخرة فهل يعودوا؟ ربما لو رجعوا لعادوا لما نهوا عنه، إلا قليلا.. هكذا أظن.

هل سمعت عن عبد الرحمن شنجول؟ كان والده من خيرة رجالات التاريخ الإسلامي العظيم في الأندلس وهو الملك المنصور، وكان هو من أخسها. أدى حب هذا الحاجب للكرسي وزيادة أطماعه غير الشرعية في كرسي الخلافة إلى تفجير الأندلس وتدمير حضارته الإسلامية وقتل المسلمين لبعضهم البعض.

كان الخليفة هو الحاكم الشرفي للأندلس، لكن الحاجب كان الحاكم الحقيقي له، كان أبيه وأخيه من نوعية الحكام العظماء الذين ساهموا بشكل رائع في حضارة الأندلس، حصل هو منصب الحاجب بالوراثة بناء على انجازات أقاربه الممتازة ، والواقع لقد كان عديم الموهبة، قليل المهارات، ناقص الدين والعلم، طماع، فاسدا حتى أخمص قدميه، خان بلاده بطمعه في الخلافة فدمر الأندلس تدميرا لم تستطيعه الإمارات الصليبية التي حاربت المسلمين سنينا طوالا لإخراج المسلين من البلاد أن تفعل بالأندلس ما فعله هذا الأحمق.

الطامعين إذن في كراسي الحكم في عصورنا لهم سلف سبقوهم، وكانت النتائج متشابهة إلى حد بعيد، فقد تحايل عبد الرحمن شنجول إلى الخليفة هشام المؤيد بأن يعينه خليفة له وتحايل عليه بشتى الوسائل والطرق الممكنة، وهذا يعني خروج الحكم من بني أمية، وياليت أطماعه في الحكم كانت من أجل مصلحة البلاد والسكان، بل للهوى الشخصي وللحصول على الكراسي، لعن الله الكراسي التي لا تخدم بلادها وشعوبها.
حدث له ما اراد وتنازل الخليفة له عما رغب، وشجعه هذا على مزيد من الفساد، وعند خروجه من الأندلس على رأس جيشه انتهز أهل الأندلس الفرصة وخرجوا عليه بجيش يقوده محمد بن هشام بن عبد الجبار وتخلى عنه جنده البربر (المغاربة)، وقتل شنجول عند عودته، وكان من المفترض أن تنتهي الفنتة عند هذا الحد لولا أن محمد بن هشام هذا قائد الجيش كان من نفس نوعية شنجول الفاسدة، فاستولى على الحكم بالقوة من الخليفة هشام المؤيد وهدم مدينة الزاهرة العظيمة التي بناها المنصور العظيم والد شنجول الفاسد وكانت معقل العامريين وأطلق العنان في مهاجمة البربر وهم أحد عناصر سكان الأندلس الذين ساهموا بشكل فعال في بناء حضارته الإسلامية فكان نذير شؤم بفتح صفحة ملبدة بالدماء بين العرب والبربر من سكان الأندلس. فانفجرت الأندلس في صفحة دموية عجيبة من صفحات التاريخ السوداء يتربص كل فريق بالأخر ويدمر كل فريق مدن الأخر وينهب بيوته ويتقل منه ما يستطيع حتى خربت الأندلس وأصبحت أيلة للسفوط في يد أعدائها المتربصين لهم في الإمارات الصليبية.

هدم عبد الرحمن شنجول السئ صاحب الخلق الفاسد كل ما بناه عظماء الأندلس وأبناؤه المخلصين من المسلمين من حضارة عظيمة بفساد أخلاقه، لم يضف شيئا يذكر خلال فترة وجوده في منصبه سوى الزنا والكذب والخداع والاستبداد، وبفعلته الشنعاء في طمعه في كرسي الخلافة جر الأندلس كلها إلى كارثة لم تقع بها من قبل ولم يستطع أعداؤها خلال سنوات طويلة وكفاح مرير مع المسلمين من تحقيق حتى ولو جزء منه.

الطمع في الكرسي دون أن يكون هناك ما يمكن انجازه للأمة والسكان بلاء تجرع أثار لعنته كثير من سكان العالم الإسلامي من قبل، ومازلنا حتى اليوم نتذوق مرارته ولعنته التي يصبها علينا أولئك الخونة.

والقصة فيها ثلاثة معاني رائعة يمكن استخلاصها:
أولا: أن الشعوب الإسلامية يجب أن تكون قوية في عدم استسلامها للحاكم الخائن، فقد خرج الشعب على عبد الرحمن شنجول وقتلوه
ثانيا: قد يجمعنا الغضب جميعا بصالحنا و فاسدنا ضد الحاكم الفاسد ونسلم أمورنا عند ثورتنا على الحاكم الفاسد إلى من هو أفسد، وبدل أن تنصلح الأمور بثورتنا على الحاكم الخائن الفاسد فانها تؤول إلى مزيد من الفساد
ثالثا: أن الثورة قامت على عبد الرحمن شنجول وهو على رأس جيشه للجهاد خارج حدود دولته، وهذا يعني أن الحاكم الفاسد وقتها كان يؤدي دوره في الحدود الأدنى وهى الزود عن الدولة والجهاد في سبيل الله (قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما ترك قوم الجهاد في سبي الله إلا أذلهم الله)، فما لنا اليوم لا نرى الحاكم يجاهد، وبدل أن يدافع عن بلادنا وهو الحد الأدنى المقبول لدى الشعب فإنه يسلمها بشعبها وخيراتها لأعدائها، وماذا حدث للشعب رغم أن الحدود كلها قد تم تخطيها من قبل الحاكم لا يثور!! غريب أمر زماننا بين الحاكم والمحكوم، وما أجمل قصص الخونة من أمتنا، فعلى أيديهم نتعلم!! ومنهم نشاهد ونقارن ونفهم.



ليست هناك تعليقات: