الأربعاء، 30 يوليو 2008

حركة 6 أبريل، نسمة في رياح التغيير


حركة 6 أبريل، نسمة في رياح التغيير

استيقظ النظام المصري وأجهزة الأمن ومصر كلها في يوم 6 أبريل الماضي على ما كان يتحدث عنه الناس من قبل هذا التاريخ بشهرين من القيام بحركة احتجاجية تشمل مصر كلها، وهو مالم يكن متوقعا من قبل أجهزة الأمن ولا النظام، وما اعتقده فإنهم لم يصدقوا أن المصريين قد يفعلونها ويتمردون، فالشعب في سبات منذ ما يزيد عن ربع قرن.

لكنه حدث، وكانت أحداث المحلة من تبعاته، بدأ النظام والأجهزة الأمنية فى تلمس الطريق نحو الفاعلين، والداعين، وكل قائد له صلة بالموضوع، ونظرا لان كل القادة في كافة المجالات وكل الناشطين منذ 27 عاما ملاحقين ومضطهدين ومحاصرين بالفساد والامن فقد كان من الصعب الحصول على القائد، ويعتبر هذا تطورا جديدا على الساحة المصرية

اذ ساهمت عدة عوامل في إفراز تلك الحركة الجديدة بمفاهيم جديدة وأساليب عمل مختلفة لم تعهدها الساحة المصرية من قبل، فقد ساعدت تكنولوجيا الاتصال على الانترنت في إمكانية تكوين جماعات يمكنها مناقشة كل ما يريدون بحرية اكبر بعيدا عن اية رقابة ممكنة، ورغم كل محاولات الأمن في القبض على المدونين وملاحقتهم وإغلاق المدونات لكنهم لم ينجحوا حتى الان، شكل موقع الفيس بوك هو الآخر في طريقة عمله المبتكرة ضربة جديدة للنظام الحديدي الذي يصر على كتم كل رأي حر مهما كان مصدره او مطلبه، كان ما حدث يوم 6 ابريل قد تشكل ونما واختمر على الفيس بوك بينما الأمن ينظر ويشاهد ولا يستطيع فعل الكثير

وبدأت من بعدها كما بدأ غيري في البحث عن تلك المجموعة التي أيقظت مصر، دخلت المجموعة بعد قليل من البحث عنهم ووجدت عالما آخر غير عالمنا، عالم من الشباب الصغير المتحمس المتوهجة مشاعره المتيقظ ضميره وبحب وانتماء لم أعهده منذ زمن طويل لهذا الوطن المتوغل في دماؤنا يتلمس طريقا نحو الخلاص من الظلم والغلاء والفساد والبطالة، يتحدثون بحرية كما يحلو لهم، ويناقشون أفكارهم دون رقيب عليهم سوى من ضمائرهم

لكن عالما آخر فى المقابل بعد تلك الهزة التي أحدثها للنظام بدأ في الدخول على الخط معهم لمضايقتهم، وتشتيتهم، والقبض على من يستطيع منهم، وشكل القبض على صاحبة فكرة الإضراب والمجموعة إحراجا للأمن والنظام نظرا لعدم دعوة هؤلاء الشباب للعنف، ولا دعوتهم للتخريب، ولا هم طامعون ايضا في الحكم او المناصب او المال، كانت مشكلتهم فقط أنهم أرادوا إضرابا سلميا، وهو ما لا يمنعه القانون ولكن يحرمه الأمن، ان يتنفسوا نفسا واحدا من الحرية وان يقولوا رأيهم ويعبروا عن أنفسهم، سقط بعض الشباب في قبضة الأمن، البعض ممن عرفنا أخبارهم خرجوا، والبعض تم التعدي عليه من امن الدولة بالضرب والبعض قد لا يمكن التعرف على أخباره نظرا لعدم معرفة أعضاء المجوعة لبعضهم البعض، لكن قليلا ممن دخلوا السجن خرجوا فكتبوا عن تجربتهم.

هؤلاء الشباب ليسوا حزبا، ولا طموح لهم في الوصول للحكم، وليسوا أعداءا لأحد سوى من تعدى على حياتهم ومستقبلهم بالفعل فأفسدها، فهم لا يريدون سوى الخلاص والحرية والعدل الاجتماعي أو بعضا منه ، وحول هذا تدور دعواتهم بكل حرية وجرأة نظرا لأنهم خلف شاشات الكمبيوتر في أمان، سلاحهم الكلمة وقوتهم في تجمعهم أمام الأمن وبعيدا عن قبضته، والواقع تمنيت أن أقرأ عنهم فلم يكتب عنهم احد، فقررت الدخول إليهم للتقرب إلى عالمهم ومعرفة ما يحدث وتقديمه للرأي العام

التجربة معهم مثيرة بسلبياتها وايجابيتها، فأبرز ايجابيات تلك المجموعة هى حماسهم الشديد في الوصول بمصر إلى نظام حكم يعطي لهم حقوقهم، ويعيد للمسحوقين في مصر بعضا من آدميتهم، فتجدهم ينزلون للشارع في الأماكن المعدمة الفقيرة للتحدث مع الفقراء ومحاولة مساعدتهم، وتجدهم تارة أخرى يحضرون جلسات المحاكم لدعم الفلاحين او المظلومين او المعبرين عن قضاياهم، وهم في كل هذا لا يبحثون عن مجد شخصي، ولا ربح لمجموعتهم، ولا نصرا على احد، فهم لا يطمحون لشئ سوى بعض من العدل والقليل من الحق لهم ولغيرهم، وتارة أخرى تجدهم يعلنون وقفتهم بقوة ضد ما يمس مصر، فيدعمون الوقوف ضد بيع الغاز المصري لإسرائيل، وضد توريث الحكم، وضد الفساد المستشري في كل مكان، شباب ذو رأي حر، يتلمس الطريق للخلاص، فقد ألقى النظام بتلال من الفساد والظلم على أكتافهم وألقت الأجيال السابقة عليهم بأطنان من السلبية والقبول بالظلم فوجدوا أنفسهم محاصرين لا يستطيعون التنفس وكان خيارهم، المقاومة التي اختاروا لها أن تكون سلمية، ومن الايجابيات المميزة فيهم وجود بعض من الجنس اللطيف وقد ملكوا من الشجاعة ما يخجلنا نحن الرجال، من الايجابيات أيضا أن أمرهم شورى بينهم فهم يطرحون الخطوات للحصول على اكبر عدد من الأصوات. ومن الايجابيات الواضحة الترابط الذي يحدث من فترة بينهم من خلال شكوى البعض لضيق الحياة ومشاكلها فيكتبون عن تجاربهم ويواسون ويخففون عنه قليلا فيشعرون بان أحدا في هذا العالم ما زال يحبه حتى ولو لم يعرفه شخصيا.

أما عن أبرز سلبياتهم فبعضها لا يد لهم فيها، واهما الخبرة في ممارسة العمل السياسي، فهم مثلا رغم الملاحقات الأمنية ينشرون بيانات بعضهم مكشوفة للجميع، وقد تجد أن الحماس الزائد لدى البعض الآخر منهم يؤدي بهم سريعا إلى الإحباط فلا صبر لديهم على الانتظار، احدهم قال لا أمل لي في الحياة ألان إلا أن تحقق مجموعتنا شيئا في التغيير فكل الطرق الأخرى مسدودة بالنسبة لي كي استطيع أن أعيش كريما، وهذا ما يعطي مؤشرا إلى حجم الأمل في أعماقهم في إمكانية أن يفعلوا شيئا من اجل التغيير، ومع مرور الوقت وعدم حدوث التغيير قد يؤدي بهم إلى انتكاسة قد نشفق عيهم منها، وهذا ما حدث للبعض منهم، ومن السلبيات أيضا أن إدارة المجموعة لا خبرة سياسية لديها، ولا أهداف واضحة بعد الإضراب الثاني الذي لم يحقق نجاح الإضراب الأول، وقد وقفوا بعدها يتساءلون: أين نحن ذاهبون الآن، وجدوا أنفسهم أمام فراغ كبير إذا كانوا يأملون أن مواصلة الإضرابات قد تحقق الغاية، وظلوا فترة بعدها يعانون من التخبط، لكنهم الآن يحاولون استعادة توازنهم رغم كونه توازنا منقوصا إذ انه بلا أهداف مرسومة وواضحة وأدوات غير محددة وتنظيم غير مترابط، وهم لا يلامون كثيرا في هذا فالتعليم له ثمن لابد أن يدفعوه

وأنت في هذا العالم قد تجد أطيافا أخرى خارج الخط السياسي يدخل إليهم، وينهي لهم محبته ويعلن عن استعداده لدعمهم بأي شكل من أشكال الدعم الممكن، يؤيدهم فيما يفعلونه ويتمنى لهم النجاح، لكن من المفارقات داخل دهاليز هذا العالم الجديد لشباب الزمن الحديث أن تدخل فتجد من يحاول تشتيت أفكارهم، وقد يتلقون الكثير من السب، او الدخول في مواضيع مثيرة للفتنة بين عنصري الشعب أو محاولة إغراقهم في محادثات وأهداف جانبية بعيدا عن السياسة، لكنهم مع الوقت يتعلمون

وفي هذا العالم الجديد ترى إشكالا من الطيف السياسي والاجتماعي يتشكل ويتكون ويلون صفحة الشباب الجديد الذي لم يستطع أن ينمو في بيئة سياسية سليمة نظرا لمضايقات النظام المصري على الأحزاب وخنقه لها من زمن طويل فخرجوا عن العادة والمألوف بعيدا عن أعين الأمن وشكلوا عالما خاصا بهم، شكل أول ظهور لهم مفاجأة لنا وللنظام، فهل سيظل وجودهم يحمل مفاجآت أخرى، ربما فهو نسمة في رياح التغيير التي قد تهب.

ليست هناك تعليقات: