الأربعاء، 30 يوليو 2008

الخــونـــة 2


الخــونـــة 2

هل لديك ذاكرة بعد أم انمحت ذاكرتك؟ لا أظن أنها لديك بعد، فقد سلبت منك، ومنى، ومن آخرين، الذاكرة التي أقصدها هى معرفتك لتاريخ أمتك، فلا أظننا نعرف، لأننا لم نتعلم أن نقرأ تاريخنا العظيم فنتعلم منه، لقد سطر العرب تاريخا مشرفا عظيما، لو عرفناه لعرفنا قدرنا ولأدركنا كم هى عظيمة تلك الأمة وكم هم عظماء هؤلاء الأجداد، بئس الأحفاد لنعم الأجداد لو تعلمون.

ومن الخونة نتعلم، ففي صقلية التي كانت إسلامية، رحم الله أيام مجدنا!! _ كانت صقلية تقع تحت حكم الفاطميون الذين دام ملكهم حوالي مائتين وسبعين عاما، عدة عوامل بدأت في إضعاف الحكم الإسلامي فيها وإدخالها في قبضة النورمانديين وأولها الخيانة، ومنها أيضا الفرقة بين قلوب المسلمين داخل الجزيرة

النورمانديون قبائل وثنية دخلت في المسيحية واستغلها البابا والقوي الاخرى والقوى المتمردة الأخرى في باري، وفرضت نفسها ووجودها وأصبحت طرفا هاما في معادلة الصراع الأوربي الإسلامي في ذلك الوقت. دخول النورمانديين وهى قوة فتية لم تكن لتغير الكثير من الواقع لولا العوامل التالية:

- تعرض الدولة الفاطمية للضعف
- الفرقة بين المسلمين والقوى الإسلامية داخل جزيرة صقلية
- الخيانة التي حدثت
كان شرق البحر المتوسط في ذلك الوقت خاصة في الجانب الشرقي منه يتمتع بالحكم الإسلامي تماما، ولم تكن هناك قوى أخرى تستطيع ازاحة المسلمين منه سواء كانت الإمبراطورية الأوربية الشرقية أو الغربية

بعد موت الأمير أبي الفتح يوسف أمير صقلية من الأسرة الكلبية الحاكمة لصقلية تابعة للفاطميين في مصر حدث نزاع علي الحكم والكرسي!! وهنا تبدأ المشاكل، فذا كان المثل الفرنسي يقول ابحث عن المرأة (فهي وراء كل شئ) فهنا في السياسة والتاريخ نقول ابحث عن الكرسي فهو وراء كل مصيبة تحدث أو نهضة، والموعد كان في تلك المرة تلك المرة مع مصيبة عظمى للخلافة الفاطمية والحضارة الإسلامية، وكان النزاع على الكرسي هناك قابعا وراء تلك المصيبة.

قامت الفتن الداخلية في الجزيرة بين الطامعين على الكرسي، فأرسل الصقليون في طلب مساعدة المعز بن باديس لإنهاء تلك الفتنة وإقرار الأمور، وبالفعل أرسل المعز جيشا، لكنه لم يستطع فعل شئ يذكر لهم، فاذا اختلفت القلوب وكانت الأطماع تحكمها لا يمكن اقرار الأمور، هكذا تعلمنا من لعبة الكراسي والمصالح خلال تاريخنا الإسلامي، وعد جيش المعز وليته ما فعل، فقد زاد الصراع بين الطامعين وتفتت الجزيرة بين حكام يملك كل منهم جزءا صغيرا في الجزيرة، وتحولوا إلى ما هو أبعد، مرحلة الصراع بين تلك الكيانات المفتتة.
وكما حدث في الأندلس حيث طمع عبد الرحمن شنجول في المرسي وفتت الأندلس، حدث في صقلية، فقد طمع احد الثائرين في الحكم واسمه محمد بن الثمنة واستولى على سرقوسة وتلقب القادر بالله، ثم زادت أطماعه في المدن الأخرى، لكنه هزم في إحدى الحروب بينه وبين أحد أمراء الجزيرة، وهنا كانت الخيانة، وحدثت المصيبة العظمى التي ضيعت صقلية من حكم المسلمين، فقد استنجد محمد بن الثمنة بالنورمانديين الأقوياء الذين كان حكمهم وأراضيهم تقع بجوار أراضي المسلمين، وكانوا يخشون على أنفسهم منهم، لكن هدية غير متوقعة جاءتهم من بلاد صقلية من محمد بن الثمنة جعلت المسألة بالنسبة لهم أسهل، وأطماعهم في أراضي المسلمين أكبر.

فحشدوا جيوشهم، وجهز محمد بن الثمنة جيشه لمساعدتهم ظانا أنهم سيقرون حكمه ويخرجون، فاستولوا على ميناء مسينا ومات الخائن بعد أن عجز وهم معه عن فتح بالرمو، فأرسل المعز بن باديس جيسا لمساعدة أهالي الجزيرة، وكانت الدولة الفاطمية في مرحلة ضعف فتركت الجزيرة لقدرها، لكن صراعا أخر كان يدور بين المستنصر في مصر وبن باديس في هذا الوقت أثر على الجزيرة، اذ أرسل المستنصر قبائل الهلاليين للقضاء على بن باديس لخروجه على طاعته، وكان ابن باديس قد اخرج جيشا كبيرا لانقاذ صقلية من النورمانديين وهو ما أضعف قوته أمام تلك الفبائل الهلالية التي عاثت في بلادعه فسادا وقضت عليه مما جعل تخليص صقلية من أيدي النورمانديين صعب المنال، وكانت الكارثة اأكبر تنتظر ذلك الجيش الذي أرسله ابن باديس لانقاذ الجزيرة اذ غرقت أكثر مراكبه. مات الخائن ولم يحصل على أي شئ, وظلت جيوش النورمانديين طامعة في اسقاط حكم المسلمين من الجزيرة وانهاء حكم المصريين والخلافة الفاطمية منها، وهو حلم كان بعيد المنال بالنسبة لهم وتحولت خشيتهم من المسلمين إلى جرأة عليهم فهاجموهم بشدة.

حاول خلفاء ابن باديس إنقاذ الجزيرة أيضا فأرسلا جيشا لها ولكن انقسام أهلها حال دون التفاف أهل الجزيرة حول الجيش، فكل منهم خاف على مدينته التي يحكمها والكرسي الذي يجلس عليه، لعن الله محبي الكراسي من أهل الفساد، فانهزم الجيش أمام النورمانديين، وذهبت أمال أهل المدينة في انقاذ جزيرتهم سدى بعد أن استدعى الخائن محمد بن الثمنة النورمانديين، وبعد أن رفض حكام المدن الاسلامية التوحد خلف جيش واحد لانقاذ الجزيرة خوفا على أطماعهم وكراسيهم من هذا الجيش.

وانفتحت شهية النورمانديين فاستدعوا جيشا من بيزا لمساعدتهم ودخلوا الخالصة وسقطت بالرمو وحولوا مسجدها إلى كنيسة ثم استولوا على باقي الجزية خلال عشرين عاما من هذا الفتح، على أن فتحهم للجزيرة جعل شهيتهم مفتوحة وجاءتهم أكبر على المسلمين فهاجموا مدنا اسلامية أفريقية أخرى وقتلوا أعدادا كبيرة من المسلمين وحرقوا بلادهم ونهبوها، واعتبرت حملتهم تلك على مدينة المهدية مقدمة للحروب الصليبية

وهكذا تسبب الخائن محمد بن الثمنة في تلك المصائب العظمى ومات ليقابل ربه بخيانته ولم ينل ما يريد أيضا!!

ليست هناك تعليقات: