الأربعاء، 30 يوليو 2008

موقع مصر من الهجمة الغربية على العالم الإسلامي


موقع مصر من الهجمة الغربية على العالم الإسلامي


لمصر على الدوام دور رائد فى قلب العالم الإسلامي، فقد أمنته من قبل في أصعب فترات مرت بالأمة، فصدت المغول، وردت الصليبيين، وظلت السيف القائم على حماية المقدسات والشعوب الإسلامية. فماذا حدث لها اليوم؟ هل تخلت مصر عن دورها؟ لماذا نراها وقد أصبحت تقف في صفوف أعداء الأمة ضد شعوبها، تنفذ المخططات الغربية وتقوم بدور هام لم يستطع الغربيون أنفسهم القيام به في قلب الامة وعلى أطرافها، هل انتهت مصر كقوة تحسب لصالح المسلمين وأصبحت تابعا مطيعا وأداة تنفيذ للمطامع الغربية فى منطقتنا؟

الواقع أن التاريخ وهو أحد مقومات الشخصية الإسلامية يتم تغييبه عن المسرح وعن وعي المسلمين كأحد عناصر تغييبهم للإيقاع بهم والسيطرة عليهم وهو أحد المكونات القوية التي انهارت مع الانهيار الحالي للدولة المصرية، لذا فان الإجابة على تلك الأسئلة قد يكون من المفيد طرحها بعد استدعاء السياق التاريخي.

مرت مصر بفترات مشابهة لما يحدث الان رغم التباين الكبير في الأحوال والأحداث، فقد هجمت ارويا على بلاد الشام في هجمة شرسة يحاولون فيها تمزيق جسد الأمة خلال العصور الوسطى، وعلى الرغم من قوة الحملات الصليبية فى وقتها لم يستطيعوا الحصول على أكثر من بضعة مدن تم مقاومتهم عليها وطردهم عنها، وأعجب بالفعل عندما أجد تلك الجيوش الجرارة وقد وقفت على أعتاب أبوابنا لا تستطيع تحطيمها للنفاذ إلى قلبها رغم كل ما حشدوه من طاقات جبارة وكراهية مدفوعة بعوامل الطمع فى ثرواتنا وأراضينا أو الهروب من الأحكام القضائية أو الرق، قامت مصر فيها خلال الخلافة الفاطمية والدولة الأيوبية والمملوكية بدور هام وبارز فى صد تلك الهجمات ببطولة فائقة.

اليوم أصبح النفاذ إلى قلب الأمة أمرا أسهل بكثير من النفاذ إلى أطرافها فيما سبق، ذلك لوجود من يساعد وينفذ تلك المخططات من حكام المسلمين ممن يعود لهم الفضل أكثر من الأعداء فيما يحدث من هزيمة للمسلمين وانكسار لشوكتهم وضياع لبلادهم وشعوبهم وانهيار لحضارتهم.

المقارنة بين الظروف التاريخية في تلك الفترة وبين الوقت الحالي قد يكون مهما قبل السرد التاريخي لاستخلاص النتائج.

- عاشت مصر فترة رقي حضاري متميز، تبني وتعلم، لغتها العربية هي لغة الحضارة والفكر، تاريخها ودينها مثار إعجاب الأمم في المشرق والمغرب والشمال والجنوب، و كانت ضمن ما يقع في بلاد أطلق عليها الاروبيون اسم بلاد السمن والعسل في المشرق الإسلامي وضمن منظومة حضارية أكبر على مستوى العالم هي منظومة الحضارة الإسلامية لها ثرواتها ونهضتها وحضارتها، كانت أمتنا منارة للعلم والفكر والتجارة والحضارة فما زالت الطرز المعمارية الإسلامية فيها مثار الإعجاب، برز العديد من العلماء فيها في شتى المجالات والتخصصات، وفى المقابل كانت أرويا تعيش ببساطة ما أطلقوا عليه فترات الظلام، فقد غرقت في الجهل والتخلف والانهيار، وكانوا يتلمسون العلوم الإسلامية ينهلون منها في كل موطن تماس مع العالم الإسلامي ومنها بلاد الشام ومصر والأندلس، نقلوا من خلال تواجدهم أثناء الحملات الصليبية الكثير من العلوم والأفكار والكتب إلى بلادهم، لذا فان تلك الحروب أفادت الغرب بأكثر مما نعتقد، وأضرت عالمنا الاسلامى بأقل مما نظن، إذ أنني أزعم بأن الغرب لم يضرنا بقدر ما أضرنا الخونة من أمتنا، وبقدر ما أضرنا التباين والاختلاف فيما بين حكامنا، والأمثلة على ذلك كثيرة تمتلئ بها ذاكرة التاريخ
- أن مصر كانت موحدة تحت خلافة قوية وهى الخلافة الفاطمية، أو خلال الدولة الأيوبية والمملوكية ضمن منظومة الخلافة العباسية، هذا التوحد مع جسد الأمة الأكبر جعل من مصر دولة قوية يصعب اختراقها، ورغم الخيانات والتفرقة إلا أنها لم تؤثر إلا في الجسم الخارجي للأمة ولم تنل من قلبها وظلت الوحدة تحت رايات الخلافة اكبر عائق في وجه كل القوى التي كانت تحاول ضرب العالم الإسلامي والقوى الخائنة المتحالفة معها من الداخل
- امتد العالم الإسلامي بشكل كبير داخل ارويا اذ كان البحر الأبيض المتوسط بجزره ومنها قبرص وكريت تحت السيطرة الإسلامية، وكانت أسبانيا وجزء كبير من فرنسا وسويسرا تحت الحكم الاسلامى خلال الحروب الصليبية، أى أن العالم الإسلامي كان صاحب اليد العليا، وكانت الحروب الصليبية هي رد فعل لتخليص النفس الغربية من شعورها بالانهزام والوقوع تحت وطأة المسلمين شرقا وغربا، كافحت غربا للتخلص من الحكم الإسلامي فى الأندلس واتجهت شرقا لتخليص بيت المقدس والأراضي الواقعة حولها من قبضة المسلمين، والدليل على ما أقول هو أن البابا كان يرد من يريد الاشتراك في الحروب الصليبية على بيت المقدس من الصليبيين المتواجدين غربا على الحدود مع المناطق الإسلامية في الأندلس وكان يقول لهم انتم أيضا في حرب ضد المسلمين في الأندلس ومن هذا المنطلق فقد كانت مصر تشكل حلقة من جسد كبير يقوم بدور ما ضد جسم غريب يحاول الاختراق إما من البحر المتوسط أو بلاد الشام
- أن العلماء والحكام والشعب في مصر كانوا في بوتقة واحدة في خندق واحد على يد رجل واحد ولهم هدف واحد ومن يغرد خارج هذا السرب يخرج منه إما على يد الشعب أو الجيش أو الحكام، وامتلأت بلاطات الحكام بالعلماء والشعراء وازدهر العلم نظرا لتشجيعه بشكل كبير وتوثقت العلاقة بين العلماء والحكام والشعب، لذا فان القرارات كان لها مذاق آخر، كانت قرارات الحكام بطعم الحكمة وتغليب المصلحة العامة للمسلمين، كانت مشاعر الشعوب وسواعدها فى نفس الخندق مع القرار عند اتخاذه فى بلاط الحكام، ولم يكن الحاكم يستطيع التأخر عن اتخاذ القرار في وقته وإلا كان للشعب والعلماء كلمة قد تجبره على اتخاذ ما قد يتباطأ فيه
- كان للمسلم شخصية لها وزن لا يمكن تجاهلها في ذلك العصر في مصر، كما أن هذا الحكام كانوا يقدرون الشعب المصري ويقومون على رعايتهم ويستمعون لنبض العب المصري لتحقيق آماله وطموحاته
- شكل النصارى واليهود المتواجدين في مصر في ذلك الزمن جزء هام من جسد الأمة في نسيج واحد اخذ فيه أهل الكتاب حقوقهم وأدوا دورا كبيرا في نهضة تلك الأمة وقوتها، وفيما عدا بعض الوقت من زمن الحاكم بأمر الله فقد ظل أهل الكتاب على الدوام يحتلون كبرى المناصب ويلعبون دورا هاما في مصلحة الأمة ويشعرون بكامل المواطنة داخل الدولة المصرية واشتهر منهم عدد على رأسهم ابن ميمون اليهودي وزير صلاح الدين وكثير من وزراء مصر النصارى أيام الخلافة الفاطمية
- حكمت مصر في وقتها بالإسلام شريعة ومنهاجا، وكان الإسلام وما أنزل الله هو ما يحكم به الحكام في مصر منذ وقت طويل وشكل جزءا من المفاهيم العامة لدى المصريين
- وحتى عندما انهارت الدولة الفاطمية بعد قرنين ونصف من الزمان لم نسمع عن المجاعات والفساد والخيانات التي نعيشها الآن وهذا هو العصر الذي سنستدعي أحداث التاريخ للتعريف به ومقارنته بما نحن فيه لكي نكون قادرين على التنبؤ بما هو قادم

ما تتصف به أوضاع مصر حاليا:
الواقع ان كانت كلمة (تتميز) تعني وجود ميزات لذا فضلت استخدام كلمة (تتصف) فى الكلام عن ما تتصف به أوضاع مصر حاليا، فقد وصلت مصر في الزمن الحلي إلى مرحلة لا اجد فيها أية مميزات فقد انتشر الغلاء وقلت الرواتب وزادت البطالة وضاعت كرامة المواطن وانهارت الصناعة والتجارة والزراعة وتحول الوزراء والمسئولين الى موظفين للدولة يبيعون أراضيها وشركاتها وانجازات شعبها للأجانب بأبخس الأسعار بل وصل الأمر لتورط رجال الشرطة والدولة في تجارة المخدرات وبيع الآثار وكرامة المواطنين!! واهم ملامح تلك الفترة هي:
- حالة الضياع العام التي تعاني منها الدولة، فلا وجود لمشاريع تنموية أو وطنية وحتى المشروع الوحيد الذي تم الترويج له وإنفاق مال الدولة عليه وهو مشروع توشكى فشل بجدارة رغم كل تحذيرات الخبراء من تنفيذ هذا المشروع، ورغم وجود مشروعات جديرة بالتنفيذ مثل مشروع إنشاء وادي موازي لوادي النيل الحالي وهو وادي النيل في مجراه القديم والذي قدمه الدكتور فاروق الباز ومشروع إنشاء جسر بين مصر والسعودية يفتح التجارة بين البلدين ويفك الخناق الاقتصادي حول مصر اذ أن كل جيرانها يعانون من انهيار اقتصادي وتحتاج إلى رئة اقتصادية مجاورة لإنعاش الاقتصاد، الا ان كل المشاريع التي من الممكن ان تحسن الوضع الاقتصادي كمشاريع زراعة القمح لكي يجد المصري رغيف خبز يأكله، تقضي عليه الحكومة المصرية اما برغبة منها في إذلال الشعب أو باملاءات أمريكية وإسرائيلية
- دخلت الحكومة المصرية في تحالف مباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وفتحت الحدود المصرية لإسرائيل من خلال علاقات طبيعية (أو تزيد) معها وليخربوها كيفما شاءوا فدمروا الزراعة وادخلوا المخدرات والمواد المسرطنة وعقدت معهم الاتفاقيات المهينة لمصر والتي تجعل من الاقتصاد المصري رهينة لهم مثل اتفاقية الكويز وباع لهم الرئيس المصري موارد مصر مجانا إما سرا او جهرا فأعطى لهم الغاز مدعما يدفع هذا الدعم المواطن المصري المعدوم!! ولفترة 25 سنة هى كل عمر الغاز المصري في المنطقة المستخرج منها، أي أنه أعطاه لهم لأخر قطرة حتى بعد رحيله وبأقل من سعر التكلفة!!
- يحكم المصريون حاليا بغير دينهم وان كان الدستور ينص على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، لكن الدستور معطل لا يعمل وقانون الطوارئ له السيادة ويعمل بفعالية حيث لا احترام لآدمية وحقوق المصريين وتهان كرامتهم عيانا بيانا جهارا نهارا في الشوارع وداخل اقسام الشرطة والسجون والمعتقلات وعلى سلالم الأتوبيسات وعند منافذ توزيع الخبز وفي المصالح الحكومية وعلى سلالم الشركات للبحث عن فرصة عمل لا تسد رمقهم ان حصلوا عليها وهذا لا يحدث!
- انتشار الفساد بشكل غير مسبوق في جميع نواحي الحياة ووصلت المسالة إلى أن يتسبب هذا الفساد ليس فقط في تنكيد عيشة المواطن بل إلى القضاء على حياته، وانتشرت حوادث غرق السفن المصرية المتهالكة ومن ينجو من الركاب يختفي! وانتشرت حوادث اصطدام الأتوبيسات القاتلة وحرائق السكة الحديد، احدي تلك الحوادث مسجلة كأسوأ حادثة في تاريخ السكك الحديدية في العالم!
- تسلط العسكر والشرطة على البلاد والعباد ففي كل ركن وزاوية تجد رجل الشرطة هو الحاكم الفعلي ذو الكلمة النافذة فرؤساء الأندية من الشرطة او الجيش، وكذلك الوزراء والمحافظين والمحليات وغيرها، تحولت مصر الى ملكية خاصة للعسكر الموالين للحزب الحاكم الخاضع بدوره للدول الغربية المعادية للمسلمين
- انهيار كرامة المواطن المصري أمام أعداء الأمة فإسرائيل يمكنها أن تقتل المواطنين المصريين على الحدود دون سؤال وأمريكا تقتل المواطنين في قناة السويس بأسلحة محرمة والحكومة المصرية تغطي على الجريمة والمواطنين المصريين في خارج مصر مهما حدث لهم من مشكلات فلا يجدون من يسأل عنهم أو يساعدهم، وقضايا انتهاك حقوق الانسان في مصر وخاصة من قبل رجال الشرطة ضد المواطنين لا حد لها ولا انصاف لمصري أهينت كرامته
- اغرق صندوق النقد الدولي مصر من خلال سياساته المفروضة على الحكومة المصرية وأوصل الحالة الاقتصادية إلى أسوأ حالاتها منذ زمن طويل، ولاول مرة نجد هذا التدخل في شئون مصر الداخلية من جانب صندوق النقد الدولي بهذا السفور منذ عصر الخديوي اسماعيل، الذي كان من نتيجته فى تلك الايام احتلال مصر، كما أغرقها في الديون التي تأتي مشروطة بمشاريع غير تنموية، تنفذها شركات الجهات المانحة وجزء من تلك القروض تعود الى البنوك الغربية في شكل حسابات شخصية لكبار موظفي الدولة ومن هم على رأس السلطة
- اتحد كبار رجال الأعمال الموالين للسلطة في مصر مع الرئيس وابنه ومنحوا تسهيلات ضخمة ووصلوا إلى المناصب الوزارية وأصبح كل شئ ممهد للاحتكارات ورفع الاسعار والتلاعب بالسلع كما يحلو لهم
- سلب رئيس مصر الوزراء والمسئولين من كافة صلاحيتهم وأصبحوا أداة تنفيذ لقراراته الشخصية هو وابنه، الأكثر غرابة في الأمر أنه امتلك كل القرارات بيده ثم ذهب إلى شرم الشيخ بعيدا عن العاصمة على الحدود مع إسرائيل واستقر هناك! وظلت مصر تتخبط وتنهار دون قرار ويختنق فيها الجو بشكل غير مسبوق ولا يتم اتخاذ القرارات في السائل المصيرية او غير المصيرية حتى يأخذ فيها الرئيس قراره، حتى وصل الأمر لأن نراه يتخذ قرارا في قضية حارس مرمى النادي الأهلى عصام الحضري التي لم تهدأ الا بعد أن قرر الرئيس ذلك!! فهل كانت مثل تلك المسألة تحتاج إلى تدخل رئيس الدولةّّّ!! وأصبح كافة المواطنين يناشدون الرئيس للتدخل في قضاياهم العادلة، من لديه القدرة على أن يفعل؟
- انتشار البطالة وغلاء الأسعار والتضخم وانهيار نواحي الحياة الاقتصادية
- انسداد الأفق السياسي ومنع كافة أفراد الشعب من المشاركة فيها واختزلت الحياة السياسية فى الحزب الحاكم واختزل الحزب الحاكم في شخص الرئيس
- قضى الحزب الحاكم على كافة النشاطات المدنية والمجتمع المدني فتعرى المجتمع واانهار الفقراء تحت وطأة اللارحمة وانهارت مصر وسمعتها وما كسبته خلال سنوات سابقة من فكر وفن وأدب وما يطلق عليه السلطة الناعمة
- ولكي يضمن رئيس الدولة البقاء في الكرسي لجأ إلى سياسة هى الأمكر في تاريخ الفكر السياسي حيث عمدت أجهزته الأمنية وخاصة جهاز أمن الدولة إلى ضرب كل محاولة إصلاح والقضاء على كل ناشط فى أي مجال من المجالات فيما عدا الموالين للسلطة مما أفقد الدولة قوتها وقدرتها وشل حركتها تماما بالقضاء على كل الناشطين في المجالات الهامة وليس من بينها بالطبع الفن الهابط وكرة القدم والسرقة عالية المستوى، فتلك كلها تلقى التشجيع بشكل ملحوظ
- اشتهرت مصر بكونها مركز تعذيب دولي وتستعملها حكومات الدول الغريبة لتعذيب معتقلين لا تستطيع هى تعذيبهم بحكم القانون واغلبهم بالطبع من المسلمين، وتساعد الحكومة المصرية الدول الغربية فى حملتها على الاسلام والحركات الاسلامية في هذا الشأن وقد لا نكون مبالغين اذا قلنا أن الحكومة المصرية هى التي صدرت للولايات المتحدة الأمريكية حجة (مكافحة الإرهاب) التس أخذتها ستارا عند حملتها على الشعوب الإسلامية، وبفضل هذا الحجة كانت الحكومة المصرية تحصل على مساعدات دائمة من الحكومة الامريكية لكي تمنع وقوع مصر في يد حكومة إسلامية.
- تحول موظفي الحكومة المصرية إلى موظفين لبيع أراضي الدولة وشركاتها الناجحة التي أنشئت من مال الشعب ونتيجة كفاحه ضد المستعمر وعمله لسنوات طويلة وأحلامه بقيام نهضة. الغريب أن البيع كان يتم لجهات مجهولة!! مشكوك في هويتها وبأقل من سعرها الطبيعي على الرغم من وجود مشترين عرب أو مصريين مما أثار حفيظة المصريين وتأسست جمعية للدفاع عن بيع مصر!! لكن إلى من ستشكو؟ للحكومة المصرية أم للمؤسسات الدولية التي تعمل لصالح المشترين؟
- لأول مرة يستطيع رئيس دولة حبس مصر بكاملها بهذا النجاح، ورأيي أن تخطيطه منذ البداية بصبر ودأب على ضرب كل ناشط في جميع المجالات هو ما اتاح له حبس مصر وشل حركتها بعد أن قضى على الناشطين والبارزين في كل المجالات الاصلاحية وكنت أعجب لحبس تاجر ملابس هو صاحب محلات ملابس رغم انه ليس له أية علاقة بأية أنشطة غير تجارية ولم يكن يبشر بأي نفوذ من أي نوع!، كثير من العلماء أحبطوا فهاجروا أو أحبطوا فيئسوا
- شجع الحزب الحاكم النشاطات الهادمة للأخلاق والمدمرة للقيم فارتفعت أجور الممثلين ولاعبي الكرة والفاسدين من مسئولي الحزب الحاكم إلى الملايين بينما عانى عامة الشعب وأساتذة الجامعات والعلماء والفئات الوسطى من تدنى الأجور والتهميش
- ومن خلال أسلوب التعليم الأجنبي الذي لا يستطيع المواطن العادي دفع نفقاته والذي خطط له الاستعمار قبل رحيله فقد تركزت السلطة والوظائف والنفوذ للخريجين من تلك الجامعات والمعاهد وهو أسلوب دهش له المؤرخ الانجليزي أرنولد توينبي من قدرة الاستعمار على السيطرة على الشعوب التي انحسر عنها الاستعمار من خلال منظومة التعليم الأجنبية في تلك البلاد
- تتصف تلك الفترة في مصر بعدم الانتماء لدى المواطن المصري سواء كان مسلم أم مسيحي لوطنه، فلا انتماء مع الفقر والذل،وزادت الفتن بين السلمين والمسيحيين وانهارت الروح المعنوية لدى الجميع وهو أحد أهم وأكبر المكاسب التي استطاع الحزب المصري تحقيقها لمصلحة المعادين للأمة، فقد انهزمت مصر بدون معركة، وقد يكون الانهزام في المعركة دون الانهزام النفسي أفضل من الانهزام النفسي دون الانهزام في أرض المعركة

الأن بعد تلك المقارنة البسيطة لما تميزت به مصر سابقا وما تتصف به حاليا نعود إلى مصر أيام الحروب الصليبية، فترة انهيار الدولة الفاطمية، فقط كان الصليبيون في بلاد الشام، حيث صحب انهيار الدولة الفاطمية عوامل انهيار الدولة من مظاهر الضعف.

كانت التحركات والدعوات الشعبية هى التي أجبرت القوى السياسية إلى التحرك بشكل أكبر فعالية لمحاربة الصليبيين فضغط أهالي حلب على حاكمهم رضوان يطلبون الجد في جهاد الصليبيين، واشتعلت ثورة في بغداد ضد الخليفة وضد السلطان السلجوقي كذلك طلبا للجهاد، ونلحظ هنا فارق كبير بين روح شعوبنا في تلك المرحلة وبين ما نجده اليوم وهو ما أحدث الفرق!! وفي مصر سنلحظ من خلال الأحداث ما أحدثه الشعب من فرق أيضا.

والواقع أن مصر قامت بدور هام في الحرب زمن الدولة الفاطمية وقبل انهيارها في مصر مما أزعج الصليبيين وجعلهم يعتقدون أن مصر رقم هام في المعادلة ويجب تحييدها أو الاستيلاء عليها وهي نفس الخطة التي اتبعها الغربيون خلال إقامة دولة اسرائيل ونجحوا فيما لم ينجحا فيه من قبل بفضل حكام مصر وليس بفضل انتصاراتهم!! فخرج بلدوين الأول للسيطرة على مصر في محاولة مبكرة لكنه مات قرب بحيرة المنزلة وسمى المكان بسيخة بردويل. وفي عام 1163 كانت الدولة الفاطمية في مرحلة انهيار فعلي فتقدم ملك بيت المقدس الصليبي عموري الأول للسيطرة عليها لكن الوزير ضرغام قاومه وأفشل حملته، ولما رأى نور الدين زنكي محاولة الصليبيين اخضاع مصر لسلطتهم قرر إرسال حملة ضمن مشروع توحيد الصف الإسلامي في مواجهة الصليبيين فأرسل حملة بقيادة أسد الدين شيركوه وفي صحبته صلاح الدين الأيوبي كأحد جنوده فانقلب الوزير ضرغام الذي قاوم عموري الأول وهزمه وخان أمته وأرسل إلى عموري يدعوه لغزو مصر ليخلصها من جيش شيركوه، خان ضرغام أمته خوفا على كرسي الوزارة! كما يفعل أخرون، فتخلى عنه الشعب والجيش وقتلوه وهو يحاول الفرار! فماذا حدث لهذا الشعب الذي يعاقب الخونة نراه ساكنا مستضعفا؟! على أن الخيانة تتكرر من الوزير شاور المطرود بعد قتل الوزير ضرغام الذي أراد طمع في كرسي الوزارة فاستعان أيضا بالصليبيين ولم يتعظ مما حدث لضرغام ووجدها عموري الأول فرصة للقدوم إلى مصر وطرد جيش نور الدين زنكي فوصل بجيشه إلى فاقوس وانضم إلى قوات شاور لحصار قوات شيركوه في بلبيس وأبرم اتفاقا مع شاور على وضع مصر تحت الحماية الصليبية مقابل مبلغ من المال وما أشبه الليلة بالبارحة لكن ما أفظعها عن البارحة!!.

لعب نور الدين زنكي دورا هاما لتخفيف الضعط علي جيش شيركوه في مصر فاتحد مع أمراء الإمارات الإسلامية في ماردين والموصل وهاجموا الصليبيين وأسروا أمير إنطاكية وأمير طرابلس وحاكم كليكيا البيزنطي المتحالف مع الصليبيين وأوقعوا بالصليبيين هزيمة نكراء مفجعة مما اضطر عموري الأول إلى فك الحصار والاتفاق مع جيش شيركوه على أن يغادر الجيشين مصر.

على أن شاور أفاق على وقع الخيانة إما خوفا من الشعب لكي لا يحدث له كما حدث مع ضرغام أو خوفا من الصليبيين الذي أخذوا يتدخلون في شئون مصر بأقل مما يفعلون اليوم!! أو من تأنيب الضمير وهو ما انعدم اليوم! فقرر تغيير سياسته! فمالنا اليوم لا نرى من يفيق؟ فأرسل إلى نور الدين زنكي ينهي إليه محبته وولاءه.

خشى الصليبيين من وقوع مصر في يد قوات نور الدين زنكي فيتوحد المشروع الاسلامي في مصر وبلاد الشام ضد الصليبيين، ففكر عموري بالعودة لاحتلال مصر لكنه خشى من مقاومة الشعب وليس الجيش فقط فقال لأصحابه كما يورد ابن الأثير"إن صاحب مصر وعساكره وعامة بلاده وفلاحيها لا يسلمونها إلينا ويقاتلوننا دونها" كان عموري قد دخل مصر من قبل وخبرها! فهل رأيت هيبة الشعب المصري في قلوب الملوك الصليبيين؟ حرر الشعب مصر من الاستعمار فرد حكام مصر كل البلاد ومقدراتها اليهم مرة أخرى مقابل حماية الكرسي لهم، فأية فاجعة تلك!!

على أن عمورى قرر تجهيز حملة قوية باطشة يشترك فيها الجنود الاسبتارية وهى منظمة ما زالت موجودة حتى الأن غيرت اسمها إلى اسم فرسان مالطا شعارها الصليب الأبيض و أهدافها ايقاد النار في قلب العالم الإسلامي، لم تنطفئ جذوة نارها ضد المسلمين منذ ذلك التاريخ وحتى الأن، يشترك في عضويتها بعض رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية فاستولت تلك الحملة على بلبيس بعد حصار ومقاومة وأعملت فيهم السيف واتكبت مجازر فظيعة.

فأرسل نور الدين زنكي جيشا لإنقاذ مصر من أيدي الصليبيين وفرح المصريون بقدومه أيما فرح فقدموا عليه وانضووا تحت لوائه مما جعل عموري يدرك صعوبة موقفه فقرر العودة إلى بيت المقدس دون الحصول على ما يريد.

إلا أن الوزير شاور عاد فخاف على كرسي الوزراة من جيش شيركوه فعاد لسيرته الأولى يريد الاستنجاد بالصليبيين ضده إلا أن ابنه الكامل وقف في وجه الخيانة تلك المرة. فأي الابناء الأبرار هؤلاء! قال لأبيه: " والله لئن عزمت على هذا الأمر لأعرفن شيركوه، نقتل ونحن مسلمون والبلاد إسلامية خير من نقتل وقد ملكها الفرنج"، فأين الأبناء البررة اليوم ومالنا لا نجدهم! وعرف شيركوه بالمؤامرة فاعتقله وقطع رأسه وأباح قصره للشعب يأخذ منه ماشاء. وأخذت مصر تنهض من جديد على يد صلاح الدين الأيوبي فأصلح شئون البلاد قبل أن تبدأ صفحة جديدة مجيدة لمصر في إخراج الصليبيين من بلاد الشام.

هذا السياق التاريخي له العديد من الدلالات الهامة، فقد كان هناك حد أدنى لوظائف الدولة تقوم به تجاه الشعب حتى خلال عصر الانهيار، منها استتباب الأمن في الداخل وعلى حدود الدولة وتوفير السلع الأساسية وحماية كرامة المواطن ناهيك عن وجود فرص العمل ورفع المظالم عن المواطنين، وحكم الشعب بالإسلام وحصول أهل الذمة على حقوقهم، وقد كانت فترة انهيار الدولة الفاطمية انهيارا بين نهضتين في العصر الفاطمي والأيوبي، أي أن فترات الازدهار أكثر وأدوم. حتى الخيانات التي حدثت فقد كان لها نهايات سريعة ومؤلمة وقاصمة للخونة.

واليوم نرى الوضع الذي تعيشه مصر قد يتشابه قليلا مع أيام انهيار الدولة الفاطمية لكن الفرق رغم ذلك عظيم، ومن خلال تلك القراءة التاريخية الموجزة فانني أقرأ أن دور مصر لم يقضى عليه نظرا لأن شعبها وإن قلت عزيمته لم يتحول ولاؤه ودينه عن محيطه الاسلامي الكبير ويتوق للعودة لحضن هذا العالم مرة أخرى، سئل الأديب نجيب محفوظ قبل وفاته عن رؤيته لمستقبل مصر فقال ما أرى إلا أن مصر تتوق لحكم الأخوان المسلمين. انها ليست رغبة في الاخوان لكنه الشوق لحكم الإسلام ممثلا في الإخوان.

لذا ورغم المحنة التي أتوقع لها أن تطول، والفتنة التي أتخيل أنها وصلت إلى ذروتها فانها ستصبح فترة –وإن طالت- لكنها في حكم سنوات التاريخ قصيرة، وستعود مصر الإسلامية لبناء حضارتها من جديد ومقاومة الإسرائيليين القابعين على الحدود في فلسطين والأمريكان المتسلطين على مصر عبر الفئة الحاكمة فيها لنشهد انتصارات وبناء الحضارة من جديد كما حدث من قبل. فدور مصر لن يسقط رغم فترات الانهيار لحديث النبي صلى الله عليه وسلم:" مصر كنانة الله في الأرض"



ليست هناك تعليقات: