الأربعاء، 30 يوليو 2008

الخــونـــة 4

الخــونـــة 4

أيام السكون قد ينخدع الكثيرون في القادة، حدث هذا من قبل ويحدث الان ايضا،وعندما يحتدم الصراع ما بين الفريقين إلى فريقين متحاربين تظهر الحقائق، وينحاز الخونة إلى فريقهم الطبيعي، إلى أعداء الأمة، كم يمكثون فوق الكراسي مطمئنين، لكنهم يوما ما تظهر حقائقهم عندما يكون الفريقين تحت ضوء الشمس، فريق في الجنة وفريق في السعير، تختف الاقنعة، وتسقط أوراق التوت التي بها يختبئون، وتتضح الرؤية، فلا يعود بمقدور الحكام المخادعين بالتظاهر بأنهم يعملون لصالح أمتهم.

عرف حكام دمشق أيام عماد الدين زنكي بموالاتها للصليبيين، ووقوفها أمام مد المشروع الإسلامي لتوحيد الإمارات الإسلامية لحرب الصليبيين، وهكذا استمر الحال بعد عماد الدين زنكي، الذي خلفه نور الدين زنكي في مشروع الوحدة وتطهير البلاد الإسلامية في فلسطين من الصليبيين، استمرت دمشق على حالها من الخيانة، وكان لابد من تخليصها من حكامها المتآمرين.

حاول عماد الدين زنكي أكثر من مرة الاستيلاء على دمشق فلم يستطع، واستمرت المحاولات فى عهد خلفه نور الدين زنكي، الذي رأى أن استخدام الحيلة أنفع مع النظام الخائن فيها، وخاصة بعد وفاة أنز المتصرف القوي في شئونها من قبل الحكام الذين وضعوا كل شئ بين يديه وأظهر القوة والمنعة ضد المشروع الإسلامي لصالح الصليبيين.

فأوقع نور الدين بين أتابك دمشق نور الدين وبين قادته، كما حاصرها ومنع تزودها بالمؤن لاحداث مجاعة بها، واتصل سرا ببعض رجالها المخلصين، فالخير في تلك الأمة لا ينقطع لحديث النبي الكريم، وقدكانت حالة الخيانة التي عليها دمشق تؤرق الكثير من القادة والأغلبية من الشعب الذين كانت تتوق أنفسهم للانضمام للمشروع الاسلامي الكبير تحت قيادة نور الدين للجهاد ضد الصليبيين، وكان اتصال نور الدين بهم سرا فرصة عظيمة لم تحدث من قبل فاستغلوها واظهروا الاخلاص في اسقاط مدينتهم في يد نور الدين، حتى ما ان ضعفت المدينة وانتشرت بها المجاعة والسخط على الخونة المتأمرين على أمتهم جهز نور الدين جيشا ودخلها في 549 هــ.

يقول صاحب الكامل في التاريخ: في هذه السنة، في صفر، ملك نور الدين محمود بن زنكي بن آقسنقر، مدينة دمشق ، وأخذها من صاحبها مجير الدين أنز بن محمد بن بوري بن طغدكين أتابك ، وكان سبب حرصه على ملكها، أن الفرنج لما ملكوا، في العام الماضي ، مدينة عسقلان ، لم يكن لنور الدين طريق إلى إزعاجهم عنها، لاعتراض دمشق بينه وبين عسقلان ، فلما ملك الفرنج عسقلان ، طمعوا في دمشق حتى أنهم استعرضوا كل من بها من مملوك ، وجارية من النصارى ، فمن أراد المقام بها تركوه ، ومن أراد العود إلى وطنه أخذوه قهراً شاء صاحبه أم أبى، وكان لهم على أهلها كل سنة قطيعة يأخذونها ينهم ، فكان رسلهم يدخلون البلد ، ويأخذونها منهم ، فلما رأى نور الدين ذلك ، خاف أن يملكها الفرنج ، فلا يبقى حينئذ للمسلمين بالشام مقام ، فأعمل الحيلة في أخذها، حيث علم أنها لا تملك قوة، لأن صاحبها متى رأى غلبة ممن يقصده ، راسل الفرنج ، واستعان بهم لئلا يملكها من يقوى بها على قتالهم ، فراسل مجير الدين صاحبها، واستماله ، وواصله بالهدايا ، وأظهر له المودة حتى وثق إليه ، فكان نور الدين يقول له قي بقض الأوقات : إن فلانا قد كاتبني في تسليم دمشق ، يعني بعض أمراء مجير الدين ، فكان يبعد الذي قيل عنه ، ويأخذ أقطاعه ، فلما لم يبق عنده من الأمراء أحداً ، قدم أميراً يقال له عطاء بن حفاظ السلمي ، الخادم ، وكان شهماً شجاعاً، وفوض إليه أمر دولته ، فكان نور الدين لا يتمكن معه من أخذ دمشق ، فقبض عليه مجير الدين ، وقتله ، فسار نور الدين حينئذ إلى دمشق ، وكان قد كاتب من بها من الأحداث ، واستمالهم فوعدوه بالتسليم إليه ، فلما حضر نور الدين البلد، أرسل مجير الدين إلى الفرنج ، يبذل لهم الأموال وتسليم قلعة بعلبك إليهم لينجدوه ، ويرحلوا نور الدين عنه ، فشرعوا في جمع فارسهم وراجلهم ليرحلوا نور الدين عن البلد، فإلى أن اجتمع لهم ما يريدون ، تسلم نور الدين البلد، فعادوا بخفي حُنَيْن .

هذا درس للخونة اذن، بأنه مهما طال فترة حكمهم فان الشعب ان لم يكن راضيا وسنحت الفرصة للاتصال بقوى مخلصة فإنهم سريعا ما ينضمون لراية الدفاع عن الأمة وعن بلاد الإسلام وعن ديارها. التاريخ قد يتوقف قليلا لكنه يعود فيتحرك للأمام.

وهكذا تكونت قوتان عظميين بعد سقوط دمشق في يد نور الدين زنكي في مواجهة الصليبيين في الغرب، لكنه نشأت منطقة فراغ في الجنوب وهى مصر بعد سقوط الحضارة الفاطمية ووجود فراغ قوى في مصر، لذا فقد أصبح الصراع محموما للحصول على مصر ما بين الصليبيين ونور الدين زنكي، وهذا المشروع الذي ساهم فيه عماد الدين زنكي ثم نور الدين زنكي أكمله صلاح الدين الأيوبي فيما بعد باستيلائه على مصر وتشكلت قوى عظمى تناهض المشروع الأوروبي الصليبي في فلسطين.

الدرس الهام ها هنا، أن المشروع لم يكتمل لإسقاط الصليبيين إلا بعد إسقاط الخونة في الداخل أولا، وعندما يسقط الخونة يصبح تحقيق النصر على الأعداء أسهل، فهؤلاء الخونة في داخل بلادنا هم اشد خطرا علينا من الأعداء في الخارج وهم خنجر في ظهر الأمة، لا تستطيع النهوض ولا الانتصار إلا بعد انتزاعه، وبقوة ثم علاج أثار الجرح الذي أحدثوه.

ليست هناك تعليقات: